-->

قصة كتاب كليلة و دمنة (2)

قصة كتاب كليلة و دمنة (2)


قصة كتاب كليلة و دمنة

الكل يسمع عن الكتاب لكن هل يسمع احد عن القصة وراء هذا الكتاب وكيف ولماذا تم كتابته.

يروى القصة :علي بن الشاه الفارسي
مؤلف كتاب كليلة و دمنة :الفيلسوف الهندي رأس البراهمة بيدبا
المكان : الهند
فى عهد :ملك الهند دبشليم
عدد ابواب كتاب كليلة و دمنة : أربعة عشر باباً؛ كل بابٍ منها قائم بنفسه.

القصة : الجزء الثانى


وكان في زمانه رحل فيلسوف من البراهمة، فاضلٌ حكيمٌ، يعرف بفضله، ويرجع في الأمور إلى قوله، يقال له بيدبا.
فلما رأى الملك وما هو عليه من الظلم للرعية، فكر في وجه الحيلة في صرفه عما هو عليه، ورده إلى العدل والإنصاف؛ فجمع لذلك تلاميذه، وقال: أتعلمون ما أريد أن أشاوركم فيه؟ اعلموا إني أطلت الفكرة في دبشليم وما هو عليه من الخروج عن العدل ولزوم الشر ورداءة السيرة وسوء العشرة مع الرعية؛ ونحن ما نروض أنفسنا لمثل هذه الأمور إذا ظهرت من الملوك، غلا لنردهم إلى فعل الخير ولزوم العدل.
ومتى أغفلنا ذلك وأهملناه لزم وقوع المكروه بنا، وبلوغ المحذورات إلينا؛ غذ كنا في أنفس الجهال أجهل منهم؛ وفي العيون عندهم أقل منهم.
وليس الرأي عندي الجلاء عن الوطن.
ولا يسعنا في حكمتنا إبقاؤه على ما هو عليه من سوء السيرة وقبح الطريقة.
ولا يمكننا مجاهدته بغير ألسنتنا.
ولو ذهبنا إلى أن نستعين بغيرنا لم تتهيأ لنا معاندته.
وإن أحس منا بمحالفته وإنكارنا سوء سيرته كان في ذلك بوارنا.
وقد تعلمون أن مجاورة السبع والكلب والحية والثور على طيب الوطن ونضارة العيش لغدرٍ بالنفس.
وإن الفيلسوف لحقيقٌ أن تكون همته مصروفة إلى ما يحصن به نفسه من نوازل المكروه ولواحق المحذور؛ ويدفع المخوف لاستجلاب المحبوب.
ولقد كنت أسمع أن فيلسوفاً كتب لتلميذه يقول: إن مجاور رجال السوء ومصاحبهم كراكب البحر: إن سلم من الغرق لم يسلم من المخاوف.
فإذا هو أورد نفسه موارد المهلكات ومصادر المخوفات، عد من الحمير التي لا نفس لها.
لأن الحيوان البهيمية قد خصت في طبائعها بمعرفة ما تكتسب به النفع وتتوقى المكروه: وذلك أننا لم نرها تورد أنفسها مورداً فيه هلكتها.
وأنها متى أشرفت على مورد مهلك لها، مالت بطبائعها التي ركبت فيها - شحاً بأنفسها وصيانةً لها - إلى النفور والتباعد عنه، وقد جمعتكم لهذا الأمر: لأنكم أسرتي ومكان سري وموضع معرفتي؛ وبكم أعتضد، وعليكم أعتمد.
فإن الوحيد في نفسه والمنفرد برأيه حيث كان فهو ضائع ولا ناصر له.
على أن العاقل قد يبلغ بحيلته ما لا يبلغ بالخيل والجنود.

والمثل في ذلك أن قنبرةً اتخذت أدخيةً وباضت فيها على طريق الفيل؛ وكان للفيل مشرب يتردد إليه.
فمر ذات يوم على عادته ليرد مورده فوطئ عش القنبرة؛ وهشم بيضها وقتل فراخها.
فلما نظرت ما ساءها، علمت أن الذي نالها من الفيل لا من غيره.
فطارت فوقعت على رأسه باكيةً؛ ثم قالت: أيها الملك لم هشمت بيضي وقتلت فراخي، وأنا في جوارك؟ أفعلت هذا استصغاراً منك لأمري واحتقاراً لشأني.
قال: هو الذي حملني على ذلك.
فتركته وانصرفت إلى جماعة الطير؛ فشكت إليها ما نالها من الفيل.
فقلن لها وما عسى أن نبلغ منه ونحن الطيور؟ فقالت للعقاعق والغربان: أحب منكن أن تصرن معي إليه فتفقأن عينيه؛ فإني أحتال له بعد ذلك حيلةً أخرى.
فأجبنها إلى ذلك، وذهبن إلى الفيل، ولم يزلن ينقرن عينيه حتى ذهبن بهما.
وبقي لا يهتدي إلى طريق مطعمه ومشربه إلا ما يلقمه من موضعه.
فلما علمت ذلك منه، جاءت إلى غدير فيه ضفادع كثير، فشكت إليها ما نالها من الفيل.
قالت الضفادع: ما حيلتنا نحن في عظم الفيل؟ وأين نبلغ منه.
قالت: احب منكن أن تصرن معي إلى وهدةٍ قريبةٍ منه، فتنققن فيها، وتضججن.
فإنه إذا سمع أصواتكن لم يشك في الماء فيهوي فيها.
فأجبنها إلى ذلك؛ واجتمعن في الهاوية، فسمع الفيل نقيق الضفادع، وقد اجهده العطش، فأقبل حتى وقع في الوهدة، فارتطم فيها.
وجاءت القنبرة ترفرف على رأسه؛ وقالت: أيها الطاغي المغتر بقوته المحتقر لأمري، كيف رأيت عظم حيلتي مع صغر جثتي عند عظم جثتك وصغر همتك؟ فليشر كل واحد منكم بما يسنح له من الرأي.
قالوا بأجمعهم: أيها الفيلسوف الفاضل، والحكيم العادل، أنت المقدم فينا، والفاضل علينا، وما عسى أن يكون مبلغ رأينا عند رأيك، وفهمنا عند فهمك؟
غيرأننا نعلم أن السباحة في الماء مع التماسيح تغريرٌ؛ والذنب فيه لمن دخل عليه في موضعه.
والذي يستخرج السم من ناب الحية فيبتلعه ليجربه جانٍ على نفسه، فليس الذنب للحية.
ومن دخل على الأسد في غابته لم يأمن من وثبته.
وهذا الملك لم تفزعه النوائب، ولم تؤدبه التجارب.
ولسنا نأمن عليك ولا على أنفسنا سطوته وإنا نخاف عليك من سورته ومبادرته بسوءٍ إذا لقيته بغير ما يحب.
فقال الحكيم بيدبا: لعمري لقد قلتم فأحسنتم، لكن ذا الرأي الحازم لا يدع أن يشاور من هو دونه أو فوقه في المنزلة.
والرأي الفرد لا يكتفي به في الخاصة ولا ينتفع به في العامة.
وقد صحت عزيمتي على لقاء دبشليم.
وقد سمعت مقالتكم؛ وتبين لي نصيحتكم والإشفاق علي وعليكم.
غير أني قد رأيت رأياً وعزمت عزماً؛ وستعرفون حديثي عند الملك ومجاوبتي إياه فإذا اتصل بكم خروجي من عنده فاجتمعوا إلي.
وصرفهم يدعون له بالسلامة.
ثم إن بيدبا اختار يوماً للدخول على الملك؛ حتى إذا كان ذلك الوقت ألقى عليه مسوحة وهي لباس البراهمة؛ وقصد باب الملك، وسأل عن صاحب إذنه وأرشد إليه وسلم عليه؛ وأعلمه قال لي: إني رجل قصدت الملك في نصيحةٍ.
فدخل الآذن على الملك في وقته؛ وقال: بالباب رجلٌ من البراهمة يقال له بيدبا، ذكر أن معه للملك نصيحة.
فأذن له؛ فدخل ووقف بين يديه واستوى قائماً وسكت.

الى اللقاء فى الجزء القادم من القصة 
 .....................................................
  رابط الموضوع الجزء الاول  من هنا
................................................
رابط موضوع الجزء الثالث   من هنا
...............................................

إرسال تعليق